فلسطین عربی

  • ناشر: انتشارات انقلاب اسلامی
  • نویسنده: سعید صلح میرزایی
  • تعداد صفحات: 570
  • قیمت: 40000 تومان
امتیاز: 4 با 2 رای Article Rating
امتیاز شما:
بازدید: 1085 نظر:0

عن الکتاب

مقدمة
من المعروف أن مجموعة من ذوی النفوذ الیهود اقترحوا على السلطان عبدالحمید قبل الحرب العالمیة الأولى وفی عهد حکمه أن یبیعهم أرض فلسطین لإسکان یهود العالم! والجواب الذی قدمه لهم کان یدل على رواسب من الغیرة الإسلامیّة فی أحد السلاطین العثمانیین المستبدین، فقد أجابهم قائلاً: «لم نسمع حتى الآن عن تشرح إنسان حی ولو کان محتضراً».
وقد بدأ السقوط التدریجی للامبراطوریة العثمانیة بعد فشلها فی فتح فینا. وکانت فی الهزیمة أمام الروس وضیاع شبه جزیرة القرم علامات أخرى لزوال هذه الدولة المسلمة التدریجی، کالنظم الأوروبیون حرباً نفسیة علیها وأطلقوا على الدولة العثمانیة لقب رجل أوروبا المریض تزامناً مع المحاصرة العسکریة والسیاسیة للعثمانیین. وفی خلال عهد الحرب الباردة التی استمرت ثلاثین عاماً فی أوروبا حیث کانت کلّ الدول الأوروبیة المقتدرة تعد نفسها لحرب واسعة مفاجئة کان المعسکر البریطانی والفرنسی والروسی خلال مواجهته لألمانیا والنمسا، یهیئ الأرضیة لاحتلال الامبراطوریة العثمانیة وتقسیمها باعتبارها حلیفة الألمان. وفی العام ١٩١3 بذل سفیرا بریطانیا وفرنسا جهودا کبیرة من أجل تنظیم اتفاقیة عام ١٩١3 المعروفة بالقسطنطنیة بین إیران والدولة العثمانیة حیث کان السبب الأولى لضرورة عقد هذه الإتفاقیة، الهجومات المتکررة لعساکر الدولة العثمانیة على الأراضی الإیرانیة فی السنوات الأولى بعد الثورة الدستوریة والشکاوی التی قدمتها إیران. وکان الإهتمام الذی أظهرته الحکومتان المستعمرتان ذوات السوابق السیئة مثیراً للدهشة وخاصة فی السنة التالیة، ١٩١٤، أی قبل فترة قصیرة من بدایة الحرب العالمیة الأولى، حیث قاموا بتعدیل اتفاقیة القسطنطنیة الحدودیة وحل نقائصها ومشاکلها من خلال البروتوکول الملحق عام ١٩١٤.
وبعد بدء الحرب وهزیمة الدولة العثمانیة واقدامات فرنسا وبریطانیا اللاحقة اتضح أن هدفهم کان تثبیت الخط الحدودی الشرقی للدولة العثمانیة مع إیران، والتحضیر لعهد الإحتلال بعد انهیار تلک الدولة واعداد الأرضیة لتقسیم الغنام من الأراضی فی منطقة الشرق الأوسط. وفی عام ۱۹۱6، و فی اواسط حزب الاولی انعقدات بشکل سری معاهدة بین سایکس و بیکو ممثلی الحکومتین البریطانیة والفرنسیة، واکتسبت خطوط تقسیم الغنائم الطابع القطعی من الناحیة العملیة. وفی سنة ١٩١٧ أصدرت بریطانیا على أثر نفوذ وزیر خارجیتها آنذاک، بیاناً أعلنت فیه أن الحکومة البریطانیة تعتبر نفسها ملزمة بأن توطن الیهود فی فلسطین لإسکإنّهم واصلاح أوضاعهم. وفی عام ١٩١٨ انتهت الحرب العالمیة الأولى بهزیمة الدولة العثمانیة والألمان. وعندما دخل الجنرال البریطانی «اللورد ألن بی» بیت المقدس، ألقى کلمة تاریخیة کانت تکشف عن حقیقة الغزاة الغربیین. وقد نقل أنه قال: «انتهت الیوم الحروب الصلیبیة له!! أی إن الصلیبیین کانوا یحملون فی صدورهم حقد الهزیمة النکراء لهم فی بیت المقدس على شکل إرث شیطانی، و إنّهم حلوا هذه العقدة باحتلال هذه الأرض.
وقد نقل الرئیس السوری الراحل حافظ الأسد، لی فیما یتعلق بحقد الصلیبیین، قصة أخرى قال فیها: «عندما دخل «الجنرال غورو» أحد القادة الفرنسیین فی الحرب العالمیة الأولى، دمشق، توجه إلى قبر صلاح الدین الأیوبی، بطل الحروب الصلیبیة وداس على قبره قائلاً: «ها قد عدنا یا صلاح الدین!!».
وبعد نهایة الحرب العالمیة الأولى، تأسست عصبة الأم ومنحت بریطانیا الوصایة على فلسطین، من أجل إقرار ما کانوا یسمونه السلام والأمن فی العالم والحیلولة دون تکرر کارثة الحرب على ید الغزاة، وبغیة تحقیق أهدافهم ومصالحهم فیما بعد الحرب، أی إنها أضفت الشرعیة على اغتصاب بریطانیا لقبلة المسلمین الأولى، ونفذت بریطانیا وعد بلفور تدریجیاً. فلقد قام الإنجلیز بترحیل الیهود إلى فلسطین بمساعدة الدول الغربیة الأخرى وتعاون الإتحاد السوفیتی، وأخرجوا المسلمین من بیوتهم وأرض آبائهم وأجدادهم من خلال مساعداتهم السریة والعلنیة، وسلموا ممتلکاتهم للصهاینة الذین کانوا یعملون على تنفیذ مشروع هرتزل، المصادق علیه من قبل المؤتمر الأول الصهیونیة (فی عام ١٨٩٧).
وأدى تهویل جرائم النازیین ضد الیهود فی الحرب العالمیة الثانیة، إلى استخدام وسائل الإعلام الغربیة والإمکانیات الفنیة للهولیود للإیحاء، وبشکل مبالغ فیه، بأن الیهود مظلومون حیث کان ذلک من جملة الإجراءات الممهدة لإضفاء الشرعیة على مؤامرة الغرب لاحتلال البلدان الإسلامیّة وقبلة المسلمین الأولى. وکانت هذه المجموعة من الإجراءات من عجائب عصرنا، فعلى فرض صحة کلّ الإدعاءات فیما یتعلق بالمذابح التی ارتکبها الألمان ضد الیود، لماذا یجب على المسلمین أن یدفعوا ثمن الأعمال الوحشیة للألمان البروتستانت؟! وقد تشکلت منظمة الأمم المتحدة وحلت محل عصبة الأمم بعد الحرب العالمیة الثانیة لتحقیق تلک الأهداف نفسها، على ید الدول المنتصرة. وکان من أول إجراءات هذه المنظمة، المصادقة على إقامة دولة إسرائیل، حیث صوت کلّ المتمتعین بحق الفیتو لصالحها، وبدأت سلسلة جدیدة من حروب صلیبیة أخرى (صلیبیة _ صهیونیة). وبدأت بعد الحرب العالمیة الأولى معارضة علماء العالم الإسلامی ومفکریه ومقاومة المسلمین وخاصة الفلسطینیین ما أوحى بتکرار سیناریو معرکة الأحزاب من الناحیة العملیة، وخروج الکفر کله لمواجهة الإسلام کله.
وأصبحت المقاومة ضد احتلال فلسطین والقدس، محورکفاح العرب والعالم الإسلامی. وقد تشکلت الجامعة العربیّة حول محور تحریر فلسطین، تأسست ومنظمة المؤتمر الإسلامی بعد إحراق المسجد الأقصى حول محور تحریر القدس. ونشبت الحروب الأربع بین العرب وإسرائیل فی السنوات 1948، 1956، 1967 و ۱۹۷۳ حیث لم یحقق العرب فی کلها تقریبا أهدافهم أمام التحالف الغربی _ الصهیونی. وأدت کلّ هزیمة بحد ذاتها إلى تحولات جذریة فی العالم الغربی. کما أدت هذه المنعطفات السیاسیة _ العسکریة الواسعة بین الفلسطینیین إلى تطورات ثقافیة _ فکریة عمیقة. وحدث انقلاب نجیب _ عبدالناصر فی مصر، وعبدالکریم قاسم فی العراق، وتسلم حزب البعث زمام السلطة فی سوریة، وثورة الجزائر، وانقلاب عبدالإله السلال فی الیمن، وجعفر النمیری فی السودان، ومعمر القذافی فی لیبیا تحت تأثیر القومیة العربیّة الیساریة، وأدى کفاح العدنیین إلى تحریر عدن واقامة بلد باسم جمهوریة الیمن الدیموقراطیة برئاسة قحطان الشعبى. کما اجتاز الفلسطینیون مراحل عسیرة تحت تأثیر هذه التطورات السریعة والجرائم الرهیبة للصهاینة، وجربوا طرقاً مختلفة طیلة کفاحهم.
وشکل الحاج أمین الحسینی، مفتی القدس، لجنة سیاسیة مؤلفة من ممثلی الحکومات الإسلامیّة على أمل أن تمکن من استرداد حقوق الفلسطینیین المغتصبة عن طریق المنظمات والأوساط الدولیة. وحمل عزالدین القسام، الصوفی الفسلطینی الجلیل، بندقیته وحارب مع أتباعه الصهاینة والإنجلیز. واستدرج الیأس من اللیبرالیة الغربیة، مجموعة من الفلسطینیین نحو السراب المارکی وقبلة الکرملین، حیث کان لبعض مسیحی فلسطین مثل جورج حبش ونایف حواتمة دور أساسی فی هذا المجال. ودفع الیأس من القومیة العربیّة والیساریة، الفلسطینیین نحو الحرکات الإسلامیّة. وتشکلت حرکة فتح حیث کانت الفرع الفلسطینی للإخوان المسلمین. ومن جهة أخرى کانت هزیمة عبدالناصر فی حرب الأیام الستة عام ١٩٦٧ نهایة مؤقتة للکفاح العربی من النوع الیساری القومی، وکانت وفاته فی عام ١٩٧٠ بمثابة نهایة للمد الناصری جملة و تفصیلاً؛ وهزم الفلسطینیون من حرکة فتح وقوة قوامها 500 مقاتل، وبدوافع إسلامیّة الجیش الصهیونی الذی کان یبلغ عدده ١٢ ألفاً وذلک فی معرکة الکرامة إلى جوار نهر الأردن. وأدى سقوط هیبة عبدالناصر وانتصار الفلسطینیین الملفت للنظر إلى أن یقمع الملک حسین فی الأردن الفلسطینیین ویرتکب المذابح بحقهم مستغلاً غیاب نفوذ الناصرین، حیث اتضح مرة أخرى أن الحکومة الأردنیة کانت المکملة لسلطة الغرب فی قلب العالم الإسلامی، وذلک بأن یلعب ابن عبدالله الأردنی دور عبدالله بن أبی المنافق المعروف فی صدر الإسلام حینما یعجز ورثة بن غوریون عن مواجهة المجاهدین المسلمین، فتسبب فی أحداث السابع عشر من أیلول واذا جمال عبدالناصر یصاب بنوبة قلبیة فی تلک السنة نفسها وأشیع بأن ذبح الفلسطینیین على ید ملک الأردن هو الذی أدى إلى موت عبدالناصر. و إثر موت عبدالناصر، خفت لهیب القومیة العربیّة، وفقد الکفاح مکانته وقیمته، وانتشرت مظاهر المساومة والعمالة. ووضع أنور السادات دماء شهداء فلسطین والعرب فی کامب دیفید على طبق المذلة، وقدمه إلى مناحیم بیغن بحضور کارتر، واستمر عصر المساومة لما یقرب من عشرین عاماً. وألقى یاسر عرفات السلاح، وتوجه إلى منظمة الأمم بغصن الزیتون. وتراجعت الحکومات العربیّة والفلسطینیون خطوة بعد أخرى کما أن تشکیل جبهة الصمود والتصدی من قبل سوریة، لیبیا، والجزائر، والیمن الجنوبی، ومنظمة التحریر الفلسطینیة لم یجد نفعاً وانهارت بانهیار الإتحاد السوفیتی.
واشتدت حلقات المساومة التی کانت قد بدأت من مفاوضات روجرز، وبلغت ذروتها بکامب دیفید، ودوّنت فی أوسلو، وبلغت الکمال فی وای ریفر وواشنطن وکامب دیفید
وکلّما تقوم هذا المسلسل التساومی إلى الأمام، کان نفوذ النظام الصهیونی یتعاظم، وتضیق حلقة محاصرة عرفات أکثر، حتى حوصر زعیم منظمة التحریر الفلسطینیة بشکل کامل فی رام الله، وربما دس له السم من قبل المتسللین الصهاینة، فأخذت المساومة تحتضر من الناحیة العملیة. واذا ما عدنا إلى الوراء من جدید، ودرسنا دور العلماء المسلمین فی إیران والعراق حول قضیّة فلسطین، فإننا نکون بذلک قد قرینا الملف الفلسطینی المعقد من الکمال أکثر، خاصة وانه کان یلعب دوراً محوریاً فی العالم الإسلامی منذ ما یقرب من القرن.
وقد استتبعت قضیّة احتلال فلسطین، ردود فعل عدیدة وواسعة فی جمیع أرجاء العالم. وکان من بین ردود الفعل المهمة إزاء هذا الحدث، الموقف الذی وقفه علماء الدین الإیرانیون، واستمر دون أی تغییر، طیلة السنوات السبعین الماضیة. ویذکر العلامة الشهید مرتضى المطهری سبب هذه الخصوصیة لعلماء الشیعة قائلاً: إن علماء الشیعة یمثلون فی ذاتهم مؤسسة مستقلة. فهی تعتمد على الله من الناحیة الروحیة وعلى قوة الشعوب من الناحیة الإجتماعیة، ولذلک فقد ظهرت هذه المؤسسة على مر التاریخ على شکل قوة منافسة فی مقابل الطغاة.
واذا ما أخذنا هذه الخصوصیة بنظر الاعتبار فإن علینا أن نعلم کیف کانت هذه الشریحة من العلماء المسلمین تتعامل مبدئیاً مع موضوع فلسطین ونفوذ الصهاینة، ولماذا کان هؤلاء العلماء یعتبرون مواجهتهم واجبة. واعتبر أحد علماء الدین المجهولین فی إیران ویدعى محمد حسن بن محمد إبراهیم الجیلانی، والذی کان قد واجه فی عهده حادثة مشابهة لقضایا فلسطین، الحکم الواجب لمواجهة هذا الخطر من أقسام الجهاد، وذکر بوجوبه قائلاً:
«الثانی هو الجهاد فی حالة نجوم أهل الشرک والضلالة على بلاد المسلمین، بحیث یکون أهل البلاد خانفین من تغلب أهل الکفر واستیلائهم على البلدان، وهذا النوع من الجهاد واجب على کافة المسلمین القادرین على الجهاد... وهذا الجهاد جائز فی غیبة الإمام7 أو بحضوره بلا خلاف».
کما کتب الشیخ محمد رضا الهمدانی أحد علماء عهد ناصرالدین شاه فی رسالة باسم «ترغیب المسلمین إلى دفاع المشرکین»، ومن خلال حکم صریح إزاء مثل هذا الهجوم، قائلاً:
«إن الأمر بالجهاد الذی یهدف إلى حفظ بیضة الإسلام وانتظار معاش الأنام ومعادهم، یبقى واجباً به ما لم یتحقق الهدف».
وتکشف لنا دراسة التاریخ المعاصر للحرکات الشیعیة أن هذه الشریحة من علماء الدین لم تؤد دور قیادة الجهاد فحسب، بل إنها بفکرها العمیق ودقة نظرها حددت المطامع الإستعماریة أو أهداف الأجانب البعیدة المدی ، و حالت دون وصولهم إلی أهدافهم النهائیة و ذلک فی أصعب الظروف، و عنها کانت الشدائد و الآفات و الأحداث تهدد من ذلک جانب أساس المجتمع الإسلامی. وعلى سبیل المثال عندما هبت ألقوات البریطانیة لمحاربة الشعب فی العراق، وسعت لأن تحرف ثورة الشعب العراقی عن مسارها الطبیعی، وخلقت ظروف صعبة وخائفة، فإن ثورة شیعة العراق بزعامة علماء الدین بعثت الیأس فی قلوبهم وألحقت بهم الهزیمة. وقد کتب أحد علماء النجف ممن شهد فی سنوات الحرب العالمیة الأولى ثورة أهالی النجف و سجل الأحداث بدقة، کتب فی قسم من مذکراته الیومیة حول أسباب ثورة الشیعة وجهادهم قائلاً:
«یرى البعض الآخر أن مجرد العراق الإسلامی والحمیّة الإسلامیّة هی التی لم یکن بمقدورها أن تری بلدة النجف المقدسة وهی مرکز علماء الدین وقبة الإسلام المقدسة العزیزة عند الإسلامیین، قد دق بیرق التثلیث فیها فوق طرة التوحید تحت حکم الصلیبیین الحاکین والآمرین على هذه البقعة المقدسة التی هی مطاف أرواح الأنبیاء والأولیاء والملائکة المقربین ومحیط الرحمة وفیوض الله الواحد الأحد...».
وقد بدأ علماء الدین الشیعة تحرکهم بخصوص قضیّة فلسطین منذ البدء وعبر مثل هذه المنطلقات، ومن خلال الإلتفات إلى واجبهم الشرعی. بحیث إن التأمل فی الأهداف والمواقف الأولى لهؤلاء الزعماء الدینیین ومقارنتها مع آمالهم الحالیة، تطمئننا بأن علماء الدین الشیعة کانوا فی الحقیقة من ضمن أکثر الشرائح تشدداً ومبدئیة التی أبدت رد فعلها إزاء خطر الصهیونیة دون أی تباطؤ ومسامحة. وحسب الوثائق المتوفرة، أصدر المرحوم محمد حسین آل کاشف الغطاء، أعلم علماء النجف فی معرض إجابته على استفتاء محمد صبری عابدین، معلم الحرم القدسی الشریف، فتوى بالمضمون التالی:
«یقول جل شأنه: «وَ کَذلِکَ أَخْذُ رَبِّکَ‏ إِذا أَخَذَ الْقُرى‏ وَ هِیَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلیمٌ شَدیدٌ» . أی ظلم أکبر من أن یضیع الإنسان حقوق موتاه وأحفاده ویدوس علیها. بل یمکن القول: أی ظلم أعظم من أن یدوس الإنسان على حق مقدساته ودینه ویقلل من عظمة نوامیسمه وقرآنه».
ثم یبدی رأیه من خلال الإشارة إلى بیع الأراضی الفلسطینیة والحکم الشرعی للأشخاص الذین کان لهم ضلع فی هذا النوع من الصفقات قائلاً: «... ألا یوقنون بعد کلّ ذلک بأن هذا البیع محاربة للإسلام؟ هل یشک أحد بأن هذا البیع أوتسهیله من خلال السعی والسمسرة مع الرضا بهذه الأعمال هو محاربة لله والنبی، استهانة بالدین الإسلامی؟... اعتبروهم خارجین عن الدین ودائرة الإسلام ومن الکفار واجتنبوهم فی کلّ الأمور ولا تتزجوا منهم ولا تعاشروهم ولا تتعاملوا معهم فی البیع والشراء ولا تسلموا علیهم ولا تترددوا علیهم ولا تتبادلوا الحدیث معهم ولا تشیعوا موتاهم ولا تدفنوهم فی مقابر المسلمین. قدموا أسماءهم فی کلّ النوادی والصحف والمجلات باعتبارهم خارجین عن الدین واذکروا أسماءهم.... محمدحسن آل کاشف الغطاء، النجف الأشرف».
وربما کان موضوع معارضة العلماء لمشروع تقسیم فلسطین فی عصبة الأمم الخطوة الأولى للمواجهة بین علماء العالم الإسلامی والغرب، حیث رفع لواءها العلماء الإیرانیون من مدرسة أهل البیت7 والمقیمون فی العراق. وقد نفذ العلماء الکبار التالیة أسماؤهم ومن خلال دعوة العلماء المسلمین الآخرین، هذه المهمة دون نحوف: السید هبة الله الشهرستانی والسید محمد مهدی الصدر والسید محمدمهدی الأصفهانی وهم من العلماء الإیرانیین الساکنین فی بغداد والکاظمیة والشیخ راضی آل یاسین من العلماء العرب بالمشارکة مع یوسف عطا، مفتی بغداد و حبیب العبیدی، مفتی الموصل وإبراهیم الراوی علما أن هؤلاء الثلاثة کانوا من علماء الطراز الأول من أهل السنة فی الموصل وبغداد. وقد أبرقوا تلغرافاً إلى عصبة الأمم ووزارة الخارجیة البریطانیة مضمونة: «نحن ممثلی علماء الدین من المذاهب الإسلامیّة، نعرب عن عدم رضانا عن قرار اللجنة الملکیة حول تقسیم فلسطین والتی هی بلد إسلامی وعربی عزیز ونعترض علیه ونعتبره ضربة موجهة إلى قلب الإسلام والعرب».
وقد أعرب آیة الله السید أبوالحسن الأصفهانی فی مذکرة بعثها إلى سفارة حکومة إیران فی بغداد عن أمله بأن لا تألو الحکومة الإیرانیة أی محمد فی عصبة الأمم من أجل حصول الشعب الفلسطینی على حقوقه المشروعة، وقد وجه العلامة کشف الغطاء فی إجراء متناغ مع السید أبی الحسن الأصفهانی، خطاباً من هذا النوع إلى الملک غازی، ملک العراق آنذاک. وقد وصفت السفارة الإیرانیة فی بغداد هذه الحرکة کالتالی:
«أبرق العلماء العرب الشیعة فی النجف برقیات إلى الملک غازی ومفوضیة فلسطین العلیا و أشتکوا من مظالم بریطانیا فی فلسطین . کما بعث الشیخ محمد حسین کاشف الغطاء الذی یعتبر من مشاهیر العلماء العرب فی النجف برقیة إلى المندوب السامی لبریطانیا واللجنة الفنیة البریطانیة، وأضاف أن الناس طلبوا الفتوى بالجهاد من العلماء... ».
کما أوردت إحدی صحف بغداد خبراً یدل على روح الکفاح والمقاومة لعلماء الدین. فقد أفادت صحیفة خبر النهار البغدادیة بأن علماء الإسلام اجتمعوا فی 15/06/1938 «تحت قبة الأمیر7 فی النجف، و تفاوضوا بشأن اصدار حکم الجهاد، و سوف یصدر الحکم المذکور بتوقیع کل السادة العلماء کما سیترأس الجلسة المذکورة السید کشف الغطاء». ودعا العلماء الشیعة من أجل دراسة هذا الموضوع علماء سوریة، ولبنان، والأردن، ومصر، والیمن، والإمارات، والخلیج الفارسی، وترکیا، وأفغانستان، وإیران کی یحضروا هذا الإجتماع. ثم أصدر العلامة کاشف الغطاء حکم الجهاد مخاطباً: «المسلمین والعرب، بل الإخوة و البشر قائلاً: إن الحالة التى آلت إلیها فلسطین الذبیحة یشهدها الجمیع وکما قلنا ونقول مرة أخرى فإن موضوع فلسطین لیس قضیّة خاصة بفلسطین نفسها... ویضیف کشف الغطاء قائلاً: لقد أصبح الجهاد فی فلسطین واجباً على کلّ إنسان، لا على الأمة العربیّة والإسلامیّة فقط... ثم یستشهد الله بأنه قد تجاوز العقد السادس من عمره، مؤکداً أنه لولا ازدحام أنواع العلل والآلام على عظی النخرة _ حسب تعبیره _ لکان أول شخص یستجیب لهذه الدعوة.
ثم یتناول کاشف الغطاء فی فتوى أخرى تقسیم بلدان العالم الإسلامی مؤکداً ضرورة أداء دور فی الجهاد. ویزعم کاشف الغطاء أن أول بلد کان علیه أن یرفع رایة الجهاد، الأردن الهاشمیة التی یدعی زعماؤها إنّهم من ذریة الرسول9، ثم الحجاز من بعده والذی یجب أن یسیر فی هذا الطریق بسبب بزوغ شمس الإسلام فیه، ثم یخاطب مصر وسوریة ویعتبرهما على حق بسبب المجاورة، ثمّ یقول:
«یقولون إن أربعمائة ملیون مسلم یوجدون على الکرة الأرضیة. فماذا کان سیحدث لو أن عشر هذا العدد بادروا مدفوعین بغیرتهم لأداء واجبهم نحوفلسطین، والتحقوا لمساعدة مجاهدیها؟ لحلت عقدة فلسطین بالطبع، ولانتهى احتلالها... أقسم بالله بأننا ابتعدنا کثیراً عن المرحلة وتشتتنا ولم نبین ما کان علینا أن نبینه. فالمؤتمرات تنعقد، وقراراتها تقدم، وتسافر الوفود إلى لندن، ومع کلّ ذلک فإن الجیش البریطانی یشق بطون النساء الحوامل فی فلسطین، ویقتل الأبریاء ویریق الدماء الطاهرة ویواصل جرائه کلّ شدة، فیما یتفرج الحکام فی الحجاز والأردن ویرون کلّ شیء رأی العین ویسمعون عنه، ورغم ذلک فإنّهم یعیشون ویتنزهون غیر مکترثین، بل إن أحداً منهم لم یحرک ساکناً. ولیتهم اکتفوا بذلک وکفوا شرهم عن فلسطین ولم یقدموا العون للظالمین ولم یتعاونوا معهم. ولکنّ عموم المسلمین فی أقطار الأرض لا یمتلکون سوى الإعتراض، والضجیج، والخطب، ونشر المقالات، ونظم الشعر، وبعض المساعدات المادیة القلیلة للغایة التی لا تفعل سوى ما تفعله القطرة على الصخرة. فی حین أن الکثیر من المسلمین یمتلکون الآلاف بل ملایین اللیرات. فهل سمعنا یوماً أن أحدهم قدم مساعدة قدرها ألف لیرة استرلینیة، کما یفعل الیهود الذین یقل عددهم، وطبیعتهم أکثر وضاعة بالطبع؟»
ان هذه العبارات لتدل على الروح السائدة بین علماء الشیعة. واذا ما حکم علیها بشکل عادل، فإنها تکشف عن المعاناة الأساسیة التی کان ومایزال العالم الإسلامی یعانی منها، والتی لم یبادر المصاب بها إلى علاجها بشکل جذری رغم أنه دفع ثمناً باهظاً لتسکینها. ویکتب العلامة کاشف الغطاء فی نهایة بیانه وکل جرأة وشجاعة، عبارات جمیلة حقاً. فهو وبعد أن اکتشف المرض الرئیس للعالم الإسلامی، یتمتع بالصراحة التی تدفعه إلى أن یبین الحقائق مهما کانت مرة، عسى أن یعود المسلمون إلى وعیهم، وینهضوا من نوم الغفلة. وهذا هو حدیثه فی هذا المجال:
«رغم کلّ ذلک، لیت أن المسلمین یعترفون بالحق ویظهرون الحقیقة خالصة وناصعة. وهی أن بلیة المسلمین من المسلمین أنفسهم، وهی أکبر کثیر من بلایا الصهیونیة وبریطانیا. وهذا الحقائق السافرة، یعلمها الجمیع ولا یظهرها أحد سوى تلامیذ المدارس الإبتدائیة الصغار. النجف الأشرف، مدرسة کاشف الغطاء، محمد حسن آل کاشف الغطاء، ٢٤ شوال ١٢٥٧ المصادف لـ ۹۳۸/۱۲/۱۸».
وفی الستینات من القرن الماضی، کان لبدایة حرکة الإمام الخمینی ومساعیة الجادة فی مجال السیاسة دور أساسی فی التأسیس لموجهة جدیدة من الیقظة الإسلامیّة فی إیران والعالم الإسلامی. وکان الهدف الداخلی من کفاحه، إسقاط النظام البهلوی واقامة نظام على أساس سیادة الشعب الدینیة، وفی المنطقة الجهاد ضد الصهیونیة والسعی لتحریر فلسطین، وعلى المستوى العالمى، مواجهة الإستکبار وعلى رأسه أمریکا.
واذا أردنا أن نلخص الهدف الرئیس منکفاح الإمام الخمینی1 فی جملة واحدة، فإنه «تحریر إیران والعالم الإسلامی من قیود الهیمنة والإستکبار، واعادة العزة والعظمة للمسلمین، واقامة الحکومة الإسلامیّة على أساس القیم والمبادى الإسلامیّة».
وکان الإمام یعتبر وجود النظام البهلوی الإستبدادی فی إیران، ونفوذ الصهیونیة فی منطقة الشرق الأوسط، وسیادة الهیمنة الغربیة والشرقیة على العالم کله حلقات سلسلة مترابطة مع بعضها البعض، وکان یرى بحق أن من الواجب مواجهة العوامل الثلاثة المذکورة إذا کانت إیران ترید التحرر، ویستعید العالم الإسلامی عزته السابقة. وکانت هذه النظرة الشمولیة للامام (ره) من الأسرار الرئیسة الکامنة وراء الإنتصار النهانی للثورة الإسلامیّة وبناء الجمهوریة الإسلامیّة. وادی انهیار الإتحاد السوفیتی السابق، وزوال نظام القطبیة الثنائیة الذی أفرزته الحرب العالمیة الثانیة فی معاهدة یالتا إلى تطورات هائلة فی العالم.
وطرح ماک لوهان موضوع القریة العالمیة، وأعلن بوش الأب أن العالم سیکون أحادی القطب فی المستقبل، وأن أمریکا تتولى باعتبارها القوة العظمى الوحیدة المتبقیة ما یسمى بأمن العالم. وقد نشر صاموئیل هانتینغتون المنظر الأمریکی موضوع الصدام بین الحضارات فی مقالة أولاً ثم کتاب، حیث وضع العالم الإسلامی محل العالم الشیوعی، وکتب أن المواجهة المستقبلیة الرئیسة ستکون بین الغرب والعالم الإسلامی، معلناً أن شروخاً دمویة تفصل هاتین الحضارتین. وقال بعد ذلک، فی خلال حرب کوسوفو، وفی مؤتمر فی قرص ما یقرب من هذا المضمون:
«إن هذا النموذج ما هو إلا جزء من الصدامات الدمویة بین الحضارتین الغربیة والإسلامیّة والتی کنت قد تنبأت بها». وهاجم صدام الکویت بتحریف غیر مباشر من أمریکا استناداً إلى بعض التحلیلات کی تجد أمریکا والغرب الذریعة لأن یدفنوا صدام مع الأسلحة المهداة إلیه من الغرب والشرق. وقد هاجم بوش العراق أولأ، وتقدم إلى مسافة تبعد ١٠٠ کیلومتر عن بغداد، ثم توقف کی یهیّئ الأرضیة لاحتلال العراق من قبل أمریکا على المدى البعید. وفی أیلول ٢٠٠١ تعرض برجا نیویورک بشکل غامض لهجوم طائرة نقل للمسافرین. وکانت الملاحظة المثیرة للتأمل أن کلّ سکان البرجین الیهود کانوا قد غادروا البرجین من قبل! فصدر فی الفور الأمر بالهجوم على أفغانستان واحتلالها، وطرح بوش الثانی سراً المشروع المشترک بین الصلیبیین والصهاینة إنطلاقاً من سذاجیة وعدم نضجه، وأعلن بدء »الحرب الصلیبیة«من جدید. ذلک لأنه کان ینتمی إلى فرقة من أتباع الکنیسة البروتستانتیة تدعى «الإیفانجلیستیة» والتی هی من صنانع الصهیونیة وخاضعة لأمرها. وفی عام ٢٠٠3 وبعد ما یقرب من ١٢ سنة من التمهید، أمر بتنفیذ المرحلة الثانیة من الهجوم على العراق، و أکمل ما قام به والده، واحتل العراق. وکان فی نیته تعیین حاکم على العراق یؤدی لأمریکا نفس المهمة التی کان یقوم بها «اللورد کروزن» فی الهند باعتباره ممثل المملکة البریطانیة، وقد تم تعیین هذا الشخص وهو السید «بریمر».
ویدلّ تأسیس القاعدة الأمریکیة فی أذربیجان، وقرغیزیا وأفغانستان، وتأسیس الأسطول الخامس فی البحرین، وعقد المعاهدة النوویة مع الهند، والاحتلال العملی وغیر المعلن لباکستان، ودع الإنفصالیین السودانیین، واقحام الناتو حسب الحاجة فی عملیات الإحتلال هذه، على تنفیذ ذلک القرار المتخذ لاحتلال العالم الإسلامی عسکریاً وسیاسیاً، وقمع أیة حرکة مناهضة للغرب وإنقاذ الصهیونیة من انتفاضة فلسطین ومحاصرة الجمهوریة الإسلامیّة.
وقد وقعت کلّ هذه الأحداث، أی منذ بدء انهیار الإتحاد السوفیتی وحتى التطورات المشار إلیها، فی عهد زعامة آیةالله العظمی الخامنئی.
ولذلک فقد أخذ سماحته على عاتقه العبء الثقیل لمواجهة کلّ هذه المؤامرات الخارجیة المتشابکة وعناصرها العمیلة فی الداخل فضلاً عن تحمله للإرث التاریخی العظیم الذی ترکه الإمام الخمینی1 ساحل الأمان، وینقذها من هذه الأعاصیر المدمرة. ولم یکن یشعر بمسؤولیة الدفاع عن مصالح الجمهوریة الإسلامیّة وحسب، بل وبمسؤولیة إنقاذ الأمّة الإسلامیّة أیضاً. وقد أبقى بکل جدیة وصدق، لواء تحریر القدس وفلسطین مرفوعاً، وواصل تدابیره فی هذا المجال على الرغم من کلّ الضغوط، وأجبر أمریکا وعملاءها على التراجع أو أوقفهم فی العالم الإسلامی فی کلّ المجالات تقریباً. وتعززت مسارات المقاومة فی مقابل الصهاینة فی عهد قیادته، بل واتسعت. ویمر الیوم خط المقاومة والمانعة الذی بدأ من إیران، بالعراق وسوریة ولبنان والأردن وغزة والضفة الغربیة ومصر ولیبیا وتونس والجزائر والمغرب والسودان والیمن والبحرین وباکستان وأفغانستان. وتمضی الموجة الجدیدة للصحوة الإسلامیّة التی بدأها الإمام1 واستمرت فی عهد آیة الله الخامنی قدماً إلى الأمام، وهی الیوم أقوى من أی وقت آخر. ویتفق کلّ الثوار مع الجمهوریة الإسلامیّة الإیرانیة فی الأهداف التالیة: الإطاحة بالإستبداد الداخلی، والقضاء على نفوذ أمریکا وحلفائها فی البلدان المسلمة، و عودة القیم الإسلامیة، و إقرار السیادة الدینیة للشعب، و التحریر النهائی لأرض فلسطین. د. علی أکبر ولایتی

 

 


Website

تصویر امنیتی
کد امنیتی را وارد نمایید: